شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في المشهد الإعلامي العالمي، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي لاعبًا رئيسيًا في إنتاج وتوزيع المحتوى الإخباري. لم تعد المؤسسات الصحفية تعتمد فقط على المهارات البشرية في جمع المعلومات وصياغة الأخبار، بل باتت الخوارزميات المتقدمة قادرة على رصد الأحداث وتحليل البيانات الضخمة في وقت قياسي، ما ساهم في تسريع وتيرة النشر وتوسيع نطاق التغطية. في المغرب، كما في بقية أنحاء العالم، بدأت العديد من المؤسسات الإعلامية في تبنّي أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحتوى وكفاءته، معتمدة على تقنيات مثل معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي لرصد الأخبار العاجلة، وتوليد تقارير أولية، وحتى التحقق من صحة المعلومات المنتشرة على الشبكات الاجتماعية.
هذا التحول الرقمي لم يأتِ دون تحديات. فبينما يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة في كشف الأخبار الزائفة وتحليل الاتجاهات الجيوسياسية، يطرح في المقابل إشكاليات أخلاقية ومهنية تتعلق بمصداقية المصادر، وشفافية الخوارزميات، واحتمال انتشار المعلومات المضللة بشكل آلي. كما يثير تساؤلات حول مستقبل مهنة الصحافة نفسها، في ظل تزايد الاعتماد على الأتمتة وتراجع دور الصحفي التقليدي في بعض المهام التحريرية. ورغم هذه التحديات، يرى خبراء الإعلام أن الذكاء الاصطناعي يشكل فرصة لتطوير صحافة أكثر دقة وموضوعية، شرط أن يتم توظيفه كأداة مساعدة وليس كبديل للخبرة البشرية.
من جهة أخرى، أظهرت تجارب دولية أن توظيف الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار يمكن أن يعزز من قدرة الصحفيين على التركيز على التحقيقات المعمقة وصناعة محتوى تحليلي عالي الجودة، بدل الانشغال بالأعمال الروتينية. وقد بدأت بعض المنصات الرقمية في المغرب بالفعل في اختبار أدوات الذكاء الاصطناعي لرصد الأخبار المحلية والعالمية، وتحليل تفاعلات الجمهور، مما يفتح الباب أمام نموذج إعلامي جديد أكثر تفاعلية وابتكارًا. في ظل هذه المتغيرات، يبقى التحدي الأكبر أمام الصحافة الرقمية هو تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على القيم المهنية، لضمان تقديم محتوى موثوق يخدم المجتمع ويعزز من وعيه بقضايا الساعة.