ويكيبيديا ليست مجرد موسوعة حرة؛ إنها بنية اجتماعية تقوم على التحقق من الحقائق، والمناقشة المفتوحة، والعمل التطوعي. هذه القيم تصطدم مباشرةً بمشروعات القوة والهيمنة في وادي السيليكون والسياسة الأمريكية.
في عالم تُعيد فيه شركات التكنولوجيا تعريف الوصول إلى المعرفة، تبقى ويكيبيديا حالة فريدة: محتوى يُبنى جماعيًا، معايير صارمة للاستشهاد بالمصادر، وشفافية في تحرير المقالات. هذا النموذج يحدّ من التضليل ويقاوم إعادة كتابة الواقع على هوى أصحاب النفوذ—وهنا يبدأ التوتر.
إيلون ماسك، الذي يشتبك بانتظام مع وسائل الإعلام ومنصات المعرفة، يهاجم ويكيبيديا بوصفها «منحازة». الجديد هو إطلاقه مشروعًا بواجهة موسوعية يعتمد على الذكاء الاصطناعي ويُعيد صياغة المقالات بعد سحبها، مع توجيه السرد بما يخدم رؤيته. عندما يُصوَّر تغيّر المناخ على أنه «نظرية»، أو تُشوَّه وقائع تاريخية مثل النضال ضد الفصل العنصري، فإننا أمام منصة تُسهِّل تدوير المعلومات المضلّلة لا بناء المعرفة.
المسألة لا تتعلق بتنافس بين منصتين؛ بل بصراع بين نموذجين: نموذج مفتوح خاضع للتدقيق المجتمعي، ونموذج مغلق تُقرّره خوارزميات ومصالح تجارية. في الأول، تُصوَّب الأخطاء علنًا ويُطلب الدليل. في الثاني، يُعاد تشكيل الحقيقة بلا مساءلة.
يتقاطع هذا مع مزاج سياسي أوسع يشكك في الصحافة الحرة والجامعات والخدمة العامة. حين تُستهدف المنابر التي تُدقّق وتُصحّح وتُناقش، تتآكل البيئة التي تحتاجها المعرفة لتزدهر. ويكيبيديا، بما فيها من محررين متطوعين ومراجعات مستمرة وروابط مصادر واضحة، تقف في قلب هذه البيئة.
عمليًا، حماية ويكيبيديا تبدأ من الاستخدام الواعي والدعم المباشر: القراءة النقدية، التبرع لمن يستطيع، والمشاركة في التحرير وفق سياساتها. دعم الموسوعة الحرة يعني دعم حق الوصول إلى معلومات موثوقة، ومقاومة هيمنة رواية واحدة تُنتَج آليًا وتُقدَّم كيقين.


