تسريبات داخلية أزاحت الغطاء عن الطريقة التي تُدار بها الشبكة في إيران: منظومة مغلقة تتعامل مع الإنترنت كأداة ضبط، وتفصل بين امتيازات النخبة ومحدودية وصول المواطنين. ما يظهر ليس خلافًا إداريًا، بل نظام رقابي يخشى المجتمع ويُحكم قبضته على الفضاء الرقمي.
المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وهو هيئة غير منتخبة تضم ممثلين من الحرس الثوري والقضاء والاستخبارات والأجهزة الدعائية، يملك قرار الحجب وفتح المنصات ويعمل بعيدًا عن الرقابة العامة. حتى حين يعلن بعض الساسة رفض الفلترة، تُظهر الوثائق أن ممثلي الحكومة يلتزمون الصمت داخل الاجتماعات أو يمتنعون عن التصويت، لتفادي تحمّل الغضب الشعبي.
مفهوم «الإنترنت الأبيض» يختصر المشهد: وصول غير مفلتر ومفتوح لكوادر السلطة والمقربين، في مقابل إنترنت مُقيّد لبقية المجتمع. تصريح النائب السابق غلامعلي جعفرزاده يلتقط الفكرة بوضوح؛ إذ يصف هذا التمييز بأنه معاملة للشعب كخَدَم وأسرى، فيما تُمنح دوائر النفوذ منافذ عالمية بلا قيود. النتيجة المباشرة كانت ضرب أرزاق النساء المعيلات، وأصحاب المتاجر الصغيرة، والعاملين من ذوي الإعاقة الذين يعتمدون على المنصات الرقمية. ويضيف أن حلولًا خارجية مثل «ستارلينك» قلّصت من عزلة الإيرانيين، لكنها لم تُنهِ أصل المشكلة.
من داخل المعسكر المؤيد للنظام، كتب عباس عبدي أن الفلترة لا تفعل سوى إزعاج الناس وإيذائهم، وأن ما يُعرف بـ«إنترنت الصحفيين» ليس امتيازًا بقدر ما هو إعفاء من عقوبة غير شرعية أساسًا. هذا الاعتراف يفضح شبكة انتقائية من الوصول تهدف لحماية الموالين وإسكات المختلفين.
الخطاب الحكومي عن الانفتاح لا يتطابق مع الإجراءات. فبحسب تقارير محلية، جرى خلال العام الماضي تقليص الشرائح غير المفلترة إلى النصف، بينما يستمر الحديث عن فتح المنصات العالمية. هذه المفارقة تكشف استراتيجية تقوم على امتصاص الغضب بتعهدات شكلية، مع تشديد أدوات السيطرة في الخلفية.
الخوف من الإنترنت المفتوح مرتبط بتاريخ الاحتجاجات التي اعتمدت على التواصل الرقمي منذ 2009 مرورًا بانتفاضات 2019 و2022 و2023. لذلك تُعامل الأجهزة الأمنية الشبكة بوصفها ساحة مواجهة، لا خدمة عامة. عمليًا، يحصل الموالون على إنترنت أبيض، ويُدفع المواطنون إلى الاعتماد على VPN، ويتعرض الصحفيون والمعارضون للملاحقات، وتُغلق منصات الأعمال عند أول أزمة، ويُصنّف أي خطاب مستقل كتهديد أمني.