في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف قادة من حركة حماس داخل العاصمة القطرية الدوحة، أفردت صحيفة "جوان" الإيرانية، المعروفة بقربها من الحرس الثوري، تغطية وقراءة سياسية لافتة للحدث. اعتبرت الصحيفة أن هذه العملية ليست فقط ضربة لقادة حماس أو للعمق القطري، بل هي تحول نوعي في معادلات الأمن الإقليمي وصياغة رسالة شديدة اللهجة لكل الأنظمة:
ليس ثمة عاصمة عربية أو مقر نخبوي أو نظام حصين في مأمن. أشارت "جوان" إلى أن عبارة "لا عاصمة آمنة" أصبحت تتردد بقوة داخل الأوساط السياسية العربية، وأن الهجوم الإسرائيلي مثّل "زلزالاً سياسياً وأمنياً" تخطت آثاره حدود قطر الصغيرة ليطال منظومة الأمن الجماعي العربي برمتها، مرسخاً إحساساً متزايداً بأن كل حليف للمقاومة أو طرف في معادلات الصراع دخل فعلياً دائرة التهديد المباشر.
بينما اختارت الصحيفة ربط صور النعوش في الدوحة بنعوش قادة الحرس الثوري الذين سقطوا في عمليات نوعية مضادة خلال أشهر سابقة، جاءت الرسالة مركّبة: المقاومة لم تعد منفصلة عن حلفائها الإقليميين، وما يجري غرب الخليج له تداعيات شبه أوتوماتيكية في طهران ودمشق وبيروت. الخطاب الذي تصنعه جوان في هذا السياق أقرب إلى التحريض على مراجعة آليات الحماية الإقليمية وتذكير الأنظمة بأن الردع التقليدي لم يعد كافياً أمام العمليات عالية الدقة والمعتمدة على معلومات استخباراتية عميقة.
للتعريف بالصحيفة، تعد "جوان" من أبرز الصحف اليومية في إيران، وهي تأسست في السنوات التي تلت الثورة الإسلامية وتعتبر الناطق الإعلامي شبه الرسمي للحرس الثوري الإيراني. تتبنى الصحيفة خطاباً مطابقاً أو متقدماً على المسار الرسمي فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي والسياسة الخارجية، وتبرز عادة في الدفاع عن أيديولوجيا النظام ومصالح الحرس الثوري. تتميز باهتمامها الكبير بالقضايا العسكرية والاستراتيجية، وتستهدف قطاع النخبة وصناع القرار والرأي العام الإيراني بمضامين تعزز مفاهيم الولاء وتبرر السياسات الردعية لإيران ضد خصومها في الداخل والخارج. تاريخ الجريدة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفترات التصعيد والتحشيد القومي، إذ تشكل منصة لتحشيد الدعم خلف سياسات الدولة الدفاعية، ولا تتردد في تناول أكثر الملفات الإقليمية حساسية بمنظور هجومي، خاصة في أوقات التوتر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو جيران الخليج.
في هذا الإطار، يكتسب تحذير "جوان" معنى مضاعفاً، حيث لا يقتصر على تسجيل موقف سياسي بل يرسم معالم مرحلة انتقالية تشهد فيها المنطقة تصعيداً غير مسبوق في مخاطر الاستهداف، ويفرض على كل عاصمة أو نظام التفكير جدياً في تبدل قواعد اللعبة الأمنية، بعدما ثبت أن اصطفافات الأمس لم تعد تضمن أمان اليوم، وأن كل طرف بات—وفق منطق الجريدة—هدفا محتملاً ضمن خارطة صراعات مفتوحة على المجهول.