يكشف فيلم وثائقي جديد على نتفليكس، من توقيع المخرج مارشال كوري، ما يدور خلف أبواب مجلة نيويوركر في عامها المئة، محاولًا تحويل مؤسسة صحفية متشعّبة إلى قصة سينمائية مكثّفة دون ضجيج أو افتعال. النتيجة عمل احتفائي كاشف يوازن بين تاريخ المجلة الحافل وثقافتها التحريرية المعاصرة، ويعرض كيف حافظت على مكانتها في زمن الإعلام المتقلّص.
يعتمد كوري على عامٍ من المعايشة داخل «المتجر» التحريري: نبش للأرشيف، حضور لاجتماعات الإنتاج، ومرافقة لأسماء بارزة، وعلى رأسهم رئيس التحرير ديفيد ريمنيك ومديرة الفن فرانسواز مولي. لا مكان هنا لدراما غرف المرجل المعتادة؛ العمل يسجّل طمأنينة العملية التحريرية في نيويوركر: فضول متراكم، ذوق مصقول، ورسوم كاريكاتورية وفنون أصلية تلتف حول تحقيقات وبروفايلات موثوقة. تلك الثقة الهادئة تفسّر كيف ظلّت المجلة اشتراكًا أساسيًا لملايين القرّاء في سوق يتقلّص فيه الصحافة الورقية.
يحمل الفيلم صوت جوليان مور راوٍ أنيق، ويُدخلنا إلى عالم المساهمين: جيسي آيزنبرغ وتشيماماندا نغوزي أديتشي يتحدّثان عن خصوصية النشر في نيويوركر، فيما تُظهر سارة جيسيكا باركر ومولي رينغولد شغفهما برسوم روز تشاست. تتابع الكاميرا مولي وهي تفكّر في غلاف الذكرى المئوية، وتتقاطع اللقطات مع مهمات ميدانية: في سجن سوري مع جون لي أندرسون، وفي مقابلة كارول برنيت مع رايتشيل سايم، وفي منزل رونان فارو وهو يطارد سبقًا عن أساليب مراقبة في إدارة ترامب. .
يستعيد العمل مسارًا تاريخيًا بدأ كمجلة ساخرة صاخبة، ثم «نضج» مع أحداث هزّت العالم. نص جون هيرسي عن هيروشيما، المكتوب كاستجابة لحجب صور آثار القصف النووي على المدنيين، رسّخ أولوية تغطية الحروب. وفي 1962، فتحت «رسالة من إقليم ذهني» لجيمس بالدوين الباب أمام أصوات غير بيضاء في زمن كانت فيه المنصات السائدة تتجاهلها. لاحقًا، دفع «بدمٍ بارد» لترومان كابوتي نحو تأسيس قسم تدقيق حقائق صارم بعد اكتشاف «ترخيص» سردي في العمل، بينما ظلت هواجس الدقة تظهر حتى في التفاصيل الطباعية الغريبة (من قبيل تمييز كلمات مثل élite وcoöperate) ورسائل القرّاء التي تتلذّذ بتصيد الهفوات.
رغم التحوّل إلى علامة متعددة الوسائط، يبقى سؤال المستقبل حاضرًا: ريمنيك بلغ السابعة والستين وقد شكّل وجه المجلة لعقود، والقلق قائم من أن تنقلب نيويوركر إلى «متحف» بعده. يعرض الفيلم إشارات خفيفة إلى سياق العمل النقابي داخل كوندي ناست؛ من تجاذبات تفاوضية وخطط خفض في عناوين أخرى إلى استقالات على خلفية تغطية قضايا حساسة مثل النزاع في غزة، بينها شهادة منشورة عن توتر التحرير يمكن قراءتها هنا. ومع ذلك، يقول كوري إنه رأى تنوّعًا في الرأي ونقاشات مفتوحة حتى حول توصيف ترامب بالعنصرية.
في الأيام السابقة لإطلاق الفيلم، شاركت نيويوركر مادةً عن المصورة آن هيرميس ترصد تدهور الصحف المحلية في الولايات المتحدة؛ منشور يزاوج بين وعي ذاتي وترويج ذكي. تبقى الأرقام واقعية: نحو 1.25 مليون مشترك يعبّرون عن ولاءٍ لا يتطلّع إلى «مكدونالدز» إعلامي، بل إلى «سوشي مصنوع يدويًا» لروّاد يقدّرون الصنعة الدقيقة. هنا تتجلّى فلسفة نيويوركر: وثائقي على نتفليكس عن مجلةٍ عمرها قرن، لكنه قبل كل شيء درس في صناعة المعنى عبر سردٍ متأنٍ، صحافة استقصائية، فن بصري، وكاريكاتور يلتقط نبض الثقافة دون الوقوع في كليشيهات.


