يشهد العالم الصحفي تحولاً جذرياً في ديناميكيات المقابلات الصحفية، حيث لم يعد الصحفي هو المصدر الوحيد للمعلومات كما كان سائداً في القرن الماضي. وتبرز هذه التحديات بشكل خاص في عالمنا العربي الذي يواجه تحولات عميقة في المشهد الإعلامي.
لعل أبرز مثال على هذا التحول ما شهدناه خلال زيارة مورغان أورتاغوس، مبعوثة إدارة ترامب إلى لبنان في أبريل 2025. فقد كشفت هذه الزيارة عن فجوة معرفية بين بعض الصحفيين المحليين والمسؤولين الدوليين، حيث وجد عدد من الصحفيين أنفسهم في موقف صعب أمام معلومات دقيقة ومفصلة قدمتها المبعوثة الأمريكية.
وتكشف هذه الحادثة عن حقيقة جوهرية: لم يعد كافياً أن يعتمد الصحفي العربي على الأساليب التقليدية في التغطية الإخبارية. فالدراسات الحديثة تشير إلى أن المحاورين يحتاجون إلى مستوى أعمق من التحضير والفهم للقضايا المعاصرة.
وتتعدد الأمثلة على هذه المواقف الصعبة التي يواجهها الصحفيون. ففي حادثة لافتة في العراق، وجد صحفي نفسه في موقف محرج عندما سأل السفير الروسي عن سبب عدم وقوف موسكو إلى جانب الميليشيات المدعومة من إيران خلال الضربات الأمريكية. جاء رد السفير صادماً ومفاجئاً: "لقد وقفنا معهم بالدعاء. أليس هذا كافياً؟ 150 مليون روسي يصلون، أليس هذا كافياً بالنسبة لك؟" هذا المثال يوضح كيف يمكن للدبلوماسيين المحنكين استخدام الإجابات غير المتوقعة لتحويل مسار المقابلة وإرباك الصحفي الذي قد لا يكون مستعداً للتعامل مع مثل هذه الردود الدبلوماسية الماكرة.
في عصر المعلومات المفتوحة، يواجه الصحفيون تحديات غير مسبوقة. فالإحصائيات تظهر أن المسؤولين والخبراء يأتون إلى المقابلات مسلحين بمعلومات وبيانات دقيقة، مما يتطلب من الصحفي مستوى أعلى من الاحترافية والتحضير.
ولعل أهم درس نستخلصه هو ضرورة تحرر الصحفي العربي من قيود الماضي. فالأفكار النمطية وطرق العمل الموروثة من حقبة الحرب الباردة لم تعد تصلح لعصر يتسم بالشفافية والوصول المباشر للمعلومات. وتؤكد الدراسات الحديثة أن نجاح المقابلة الصحفية يعتمد على قدرة الصحفي على التحليل العميق والفهم الشامل للسياق.
ومن الضروري أن يتبنى الصحفيون العرب منهجية جديدة تجمع بين التحقق المزدوج من المعلومات قبل طرحها، وبناء قاعدة معرفية شاملة حول موضوع المقابلة، مع تطوير مهارات التحليل النقدي والانفتاح على مختلف وجهات النظر. فهذه المنهجية المتكاملة تشكل أساساً متيناً للممارسة الصحفية المعاصرة التي تواكب متطلبات العصر الحديث.
وتشير التجارب العالمية إلى أن الصحفيين الناجحين هم من يستطيعون التكيف مع المتغيرات السريعة في عالم الإعلام. فالمهنية الحقيقية تتجلى في القدرة على إدارة الحوار بكفاءة، حتى عندما يكون المحاور أكثر إلماماً بتفاصيل الموضوع.
إن إعادة بناء المشهد الصحفي العربي تتطلب شجاعة في مواجهة أوجه القصور، وانفتاحاً على أساليب جديدة في العمل الصحفي. فالأبحاث الحديثة تؤكد أن المقابلات الناجحة تعتمد على التحضير الجيد والقدرة على التكيف مع المواقف غير المتوقعة.
يقف الصحفيون العرب اليوم على مفترق طرق تاريخي يتطلب منهم إعادة تشكيل هويتهم المهنية. فالتطور المتسارع في عالم الإعلام والمعلومات يفرض عليهم تجديد أدواتهم الفكرية وطرق عملهم، ليس فقط لمواكبة العصر، بل للمساهمة في صياغة مستقبل المهنة. هذا التحول لا يعني التخلي عن الأصول المهنية الراسخة، بل إثراءها بأدوات وأفكار تتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.