في عام 2025، بلغت المواجهة الإعلامية بين الصين والولايات المتحدة ذروة غير مسبوقة من التصعيد والتعقيد. وقد كشفت الأشهر الماضية عن تحولات جذرية في الاستراتيجية الإعلامية الصينية، حيث طورت بكين أساليب متقدمة في حربها الدعائية معتمدة على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه الاستراتيجية المتطورة إلى إعادة تشكيل الرأي العام العالمي بطريقة تخدم المصالح الصينية وتؤسس لرؤيتها الجديدة للنظام العالمي.
في مارس 2025، أطلقت الصين حملة عسكرية إعلامية واسعة النطاق عبر منصات التواصل الاجتماعي العالمية، تستعرض فيها منظومتها العسكرية المتطورة وقواتها البشرية الضخمة المكونة من مليوني جندي. وتزامن ذلك مع إعلان حالة التأهب العسكري القصوى، في خطوة تعكس رسالة واضحة موجهة للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
استخدمت بكين بشكل مبتكر تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى ساخر يستهدف السياسة التجارية الأمريكية. حيث انتشر فيديو مصنّع رقمياً يُظهر الرئيس ترامب ونائبه فانس وإيلون ماسك كعمال في مصنع نايكي، في انتقاد لاذع للسياسات الحمائية الأمريكية وتناقضاتها.
كشف تقرير استخباراتي أمريكي حديث عن استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني في استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتوجيه حملاته الدعائية الخارجية. وتعتمد هذه الاستراتيجية على ما يُعرف بـ"التواصل الدقيق"، حيث يتم تحليل وتصميم المحتوى وفقاً للخصائص النفسية والاجتماعية للجمهور المستهدف في كل منطقة.
وفي سياق متصل، تكشف وثائق استخباراتية عن قيام مراكز أبحاث صينية برصد وتحليل شبكات التواصل الاجتماعي خلال الانتخابات الأمريكية، مما يشير إلى تطور قدرات بكين في مجال التأثير السياسي الرقمي.
اتخذت واشنطن إجراءات متعددة المستويات لمواجهة هذه الحملات، شملت تخصيص ميزانية ضخمة للدعاية المضادة، وتعزيز التحالفات العسكرية في المنطقة الآسيوية، وتشديد الإجراءات التجارية والاقتصادية ضد الصين. كما عززت الولايات المتحدة من قدراتها في مجال مكافحة التضليل الإعلامي والدعاية الرقمية.
يؤكد رايان هاس، محلل مركز الصين في مؤسسة بروكينغز: "من يعتقد أن الرئيس شي سيسعى للتفاوض مع ترامب بعد قرارات التعريفة الجمركية الأخيرة واهم تماماً. فبكين تتبع استراتيجية مختلفة جذرياً تهدف إلى إعادة تشكيل النظام العالمي".
تسعى الصين من خلال هذه الاستراتيجية المتكاملة لتقديم نفسها كمركز عالمي جديد قادر على ملء الفراغ الذي قد يتركه أي تراجع أمريكي عن الساحة الدولية. وتستخدم في ذلك مزيجاً من القوة الناعمة والضغط الاقتصادي والتأثير الرقمي.
كما يشير ديفين ثورن، محلل في مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة بواشنطن: "الحرب الباردة الجديدة تتجاوز المواجهة العسكرية التقليدية إلى معركة السيطرة على العقول والمعلومات، وفي هذا المجال، تمتلك الصين أدوات متطورة تتحدى الهيمنة الأمريكية التقليدية."