نجحت تحقيقات مشتركة أجرتها منصات "ذا إنسايدر" و"دير شبيغل" وبرنامج "60 دقيقة" في كشف تفاصيل جديدة ومذهلة حول ما يُعرف بـ"متلازمة هافانا"، وهي ظاهرة أثارت حيرة الأجهزة الاستخباراتية الغربية لسنوات. وقد نالت هذه التحقيقات جائزة إيمي الشهيرة، في اعتراف دولي بجودة العمل الصحفي وقوة الأدلة التي قدمتها.
تناولت التحقيقات حالات تعرض لها دبلوماسيون أمريكيون وكنديون في عدة دول حول العالم، بدءاً من كوبا حيث ظهرت المشكلة أولاً، وصولاً إلى ألمانيا وجنيف وتبليسي. وقد عانى الضحايا من أعراض عصبية غريبة مثل الصداع الشديد، الدوخة، الغثيان، اضطرابات الرؤية، وفقدان الوعي أحياناً. لفترة طويلة، ظلت هذه الحالات غامضة، وأرجعت بعض الأوساط الرسمية الأعراض إلى أسباب نفسية أو بيئية.
لكن العمل الصحفي المشترك استطاع تجاوز الروايات الرسمية، وذلك عبر جمع أدلة مادية ورقمية، مثل سجلات الرحلات، تحليل بيانات الهواتف المحمولة، وشهادات مباشرة من الضحايا. ووفقاً للتحقيق، تبين أن عناصر من وحدة 29155 التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية (الـ GRU) كانوا متواجدين في مواقع الحوادث في أوقات متزامنة مع ظهور الأعراض. وتشير وثائق عسكرية روسية إلى أن هذه الوحدة متخصصة في تطوير أسلحة غير قاتلة تعتمد على موجات دقيقة أو كهرومغناطيسية.
أكد التحقيق أن هذه الوحدة معروفة تاريخياً بتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب، مثل عملية تسميم العميل سكريبال في بريطانيا. كما تم منح جوائز لبعض عناصر الوحدة نظير تطويرهم "أسلحة صوتية غير قاتلة"، ما يعزز فرضية استخدامهم لتقنيات متطورة لاستهداف الدبلوماسيين الغربيين.
على الرغم من كل هذه الأدلة، لا تزال الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية تتخذ موقفاً حذراً، حيث تشير تقييمات رسمية حديثة إلى أن احتمال تورط جهة أجنبية "غير مرجح كثيراً". من جهتها، أنكرت موسكو هذه الاتهامات ووصفت التحقيق بأنه "اتهام بلا أساس"، مؤكدة عدم وجود أدلة قاطعة.
يمثل هذا التحقيق الصحفي نقلة نوعية في تغطية ملف متلازمة هافانا، إذ نجح في تقديم معلومات دقيقة ومستندة إلى أدلة قوية. كما أثار التحقيق نقاشاً دولياً حول أمن الدبلوماسيين واستخدام تقنيات الأسلحة الخفية في الحروب الهجينة. فوز التحقيق بجائزة إيمي يؤكد أهمية الصحافة الاستقصائية في كشف الحقائق، حتى لو كانت مخفية أو متنازعاً عليها رسمياً.