تواجه الصحافة المحلية العربية تحديات وجودية تهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي للمجتمعات. ففي المغرب، كما في العديد من البلدان العربية، تشهد الصحف المحلية انحداراً مستمراً يترك فراغاً خطيراً في قلب المجتمعات.
منذ عقود، كانت الصحف المحلية بمثابة المرآة التي تعكس هموم وآمال المواطنين العاديين. في مدن مثل مراكش أو فاس أو الرباط، كانت الصحف الجهوية تروي قصص التجار الصغار، والمعلمين، والطلاب المتفوقين، والمبادرات المدنية. كانت تلك القصص تخلق جسوراً من التفاهم بين أبناء المجتمع الواحد، وتعزز من الشعور بالانتماء والهوية المشتركة.
اليوم، مع هيمنة الإعلام الرقمي العابر للحدود، تحولت اهتمامات القراء نحو الأخبار الوطنية والدولية، تاركين وراءهم الحكايات المحلية التي كانت تشكل هويتهم الجماعية. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في عادات القراءة، بل انعكاساً لتفكك النسيج الاجتماعي وضعف الروابط المجتمعية.
في المغرب تحديداً، تواجه الصحف الجهوية تحديات مضاعفة. فمن ناحية، تنافس منصات التواصل الاجتماعي التي تستحوذ على الإعلانات المحلية، ومن ناحية أخرى، تصارع للبقاء في ظل تراجع الاستثمار في الإعلام المحلي. النتيجة هي انكماش هائل في حجم التغطية الصحفية المحلية، مما يترك المجتمعات بدون صوت يعبر عنها أو يوثق تطلعاتها.
هذا الفراغ الإعلامي يخلق مشاكل أعمق من مجرد نقص المعلومات. فعندما تختفي الصحافة المحلية، تختفي معها القصص التي تظهر الوجه الإنساني للمجتمع. تلك القصص التي تحكي عن النجاحات الصغيرة، والمبادرات الفردية، والتحديات اليومية التي يواجهها المواطنون. بدون هذه الحكايات، يصبح المجتمع مجرد مجموعة من الأفراد المنعزلين، بدلاً من كونه نسيجاً متماسكاً من العلاقات والقيم المشتركة.
في عصر المعلومات المضللة والاستقطاب السياسي، تكتسب الصحافة المحلية أهمية خاصة كونها الحارس الأمين للديمقراطية على المستوى الجذري. فهي التي تراقب أداء المجالس المحلية، وتسلط الضوء على قضايا التنمية الجهوية، وتعطي صوتاً للمهمشين والفئات الضعيفة في المجتمع.
إن استعادة دور الصحافة المحلية في العالم العربي لا يتطلب فقط الدعم المالي، بل يحتاج إلى إعادة تصور شامل لدورها في بناء المجتمعات. يجب أن ندرك أن الصحافة المحلية ليست مجرد مصدر للأخبار، بل هي أداة أساسية لتعزيز التماسك الاجتماعي والمشاركة المدنية.
إن مصير الصحافة المحلية مرتبط بمصير المجتمعات ذاتها. فعندما تموت الصحف المحلية، تموت معها جزء من هوية المجتمع وذاكرته الجماعية. وعندما تختفي القصص المحلية، نفقد جزءاً مهماً مما يجعلنا مجتمعاً واحداً متماسكاً، قادراً على مواجهة التحديات والبناء على الإنجازات المشتركة.